فصل: ومن باب عفو النساء عن الدم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب فيمن وجد رجلًا مع أهله فقتله:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد وعبد الوهاب بن نجدة الحوطي المعنى قالا: حَدَّثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه، عَن أبي هريرة «أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله الرجل يجد مع أهله رجلًا أيقتله، قال لا، قال سعد بلى والذي أكرمك بالحق ينتظر فيه إلى أن يأتي بأربعة شهداء، قال النبي صلى الله عليه وسلم اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، قال عبد الوهاب انظروا إلى ما يقول سعد».
قال الشيخ: يشبه أن يكون مراجعة سعد النبي صلى الله عليه وسلم طمعًا في الرخصة لا ردًا لقوله صلى الله عليه وسلم، فلما أبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكر عليه قوله سكت سعد وانقاد.
وقد اختلف الناس في هذه المسألة فكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول إن لم يأت بأربعة شهداء أعطى برمته أي أقيد به.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أهدر دمه ولم ير فيه قصاصًا.
قلت: ويشبه أن يكون إنما رأى دمه مباحًا فيما بينه وبين الله عز وجل إذا تحقق الزنا منه فعلًا وكان الزاني محصنًا.
وذكر الشافعي حديث علي رضي الله عنه ثم قال وبهذا نأخذ غير أنه قال: ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل قتل الرجل وامرأته إذا كانا ثيبين وعلم أنه قد نال منها ما يوجب الغسل ولا يسقط عنه القود في الحكم.
وكذلك قال أبو ثور، وقال أحمد بن حنبل إن جاء ببينة أنه قد وجده مع امرأته في بيته فقتله يهدر دمه، وكذلك قال إسحاق.

.ومن باب العامل يصاب على يديه خطأ:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقًا فلاجّه رجل أو لاحاه في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكم كذا وكذا فلم يرضوا، فقال لكم كذا وكذا فرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم، قالوا نعم فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أرضيتم قالوا لا فهم المهاجرين بهم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم فكفوا ثم دعاهم فزادهم قال أرضيتم قالوا نعم قال إني خاطب على الناس فمخبرهم برضاكم قالوا فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أرضيتم قالوا نعم».
قال الشيخ: في هذا الحديث من الفقه وجوب الإقادة من الوالي والعامل إذا تناول دمًا بغير حقه كوجوبها على من ليس بوال.
وفيه دليل على جواز إرضاء المشجوج بأكثر من دية الشجة إذا طلب المشجوج القصاص.
وفيه دليل على أن القول في الصدقة قول رب المال وأنه ليس للساعي ضربه وإكراهه على ما لم يظهر له من ماله.
وفيه حجة لمن رأى وقوف الحاكم عن الحكم بعلمه لأنهم لما رضوا بما أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجعوا عنه فلم يلزمهم برضاهم الأول حتى كان ما رضوا به ظاهرًا.
وقوله فلاحاه معناه نازعه وخاصمه، وفي بعض الأمثال عاداك من لاحاك.
وروي، عَن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما أقادا من العمال.
وممن رأى عليهم القود الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه.

.ومن باب عفو النساء عن الدم:

قال أبو داود: حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد عن الأوزاعي سمع حصنًا أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة».
قال الشيخ: قوله: «ينحجزوا» معناه يكفوا عن القتل وتفسيره أن يقتل رجل وله ورثة رجال ونساء فأيهم عفا وإن كانت امرأة سقط القود وصار دية.
وقوله: «الأول فالأول» يريد الأقرب فالأقرب.
قلت: يشبه أن يكون معنى المقتتلين هاهنا أن يطلب أولياء القتيل القود فيمتنع القتلة فينشأ بينهم الحرب والقتال من أجل ذلك فجعلهم مقتتلين بنصب التاءين يقال اقتتل فهو مقتتل، غير أن هذا إنما يستعمل أكثره فيمن قتله الحُب.
وقد اختلف الناس في عفو النساء فقال أكثر أهل العلم عفو النساء عن الدم جائز كعفو الرجال. وقال الأوزاعي وابن شبرمة ليس للنساء عفو، وعن الحسن وإبراهيم النخعي ليس للزوج ولا للمرأة عفو في الدم.

.ومن باب من قتل في عِمِيّا بين قوم:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد قال: وحدثنا ابن السرح حدثنا سفيان وهذا حديثه عن عمرو عن طاوس قال من قتل، وقال ابن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل في عِمِيّا في رمي يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصا فهو خطأ وعقله عقل الخطأ، ومن قتل عمدًا فهو قود، ومن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل».
قال الشيخ: قوله: «عميا» وزنه فعيلا من العمى كما يقال بينهم رميا أي رمى، ومعناه أن يترامى القوم يوجد بينهم قتيل لا يدرى من قاتله ويعمى أمره فلا يتبين ففيه الدية.
واختلف العلماء فيمن تلزمه دية هذا القتيل؛ فقال مالك بن أنس ديته على الذين نازعوهم.
وقال أحمد بن حنبل ديته على عواقل الآخرين إلاّ أن يدعوا على رجل بعينه فيكون قسامة، وكذلك قال إسحاق.
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ديته على عاقلة الفريقين اللذين اقتتلوا معًا.
وقال الأوزاعي عقله على الفريقين جميعًا إلاّ أن تقوم بينة من غير الفريقين أن فلانًا قتله فعليه القود والقصاص.
وقال الشافعي هو قسامة إن ادعوه على رجل بعينه أو طائفة بعينها وإلا فلا عقل ولا قود.
وقال أبو حنيفة هو على عاقلة القبيلة التي وجد فيهم إذا لم يدع أولياء القتيل على غيرهم.
وقوله: «لا يقبل منه صرف ولا عدل» فسروا العدل الفريضة، والصرف التطوع.

.ومن باب في الدية كم هي:

قال أبو داود: حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وعشر ابن لبون ذكر».
قال الشيخ: هذا الحديث لا أعرف أحدًا قال به من الفقهاء، وإنما قال أكثر العلماء إن دية الخطأ أخماس، كذلك قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري. وكذلك قال مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل خمس بنو مخاض، وخمس بنات مخاض وخمس بنات لبون وخمس حقاق وخمس جذاع.
وروي هذا القول عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال مالك والشافعي خمس جذاع وخمس حقاق وخمس بنات لبون وخمس بنات مخاض وخمس بنو لبون.
وحكي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهري وربيعة بن عبد الرحمن والليث بن سعد ولأبي حنيفة وأصحابه فيه أثر، إلاّ أن راويه عن عبد الله عن خشف بن مالك وهو مجهول لا يعرف إلاّ بهذا الحديث.
وعدل الشافعي عن القول به لما ذكرنا من العلة في راويه ولأن فيه بني مخاض ولا مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة أنه ودى قتيل خيبر بمائة من إبل الصدقة وليس في أسنان إبل الصدقة ابن مخاض.
وقد روي عن نفر من العلماء أنهم قالوا دية الخطأ أرباع وهم الشعبي والنخعي والحسن البصري. وإليه ذهب إسحاق بن راهويه إلا أنهم قالوا خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض. وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
قال أبو داود: حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن عثمان حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ على النصف من دية المسلم، قال فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر رضي الله عنه فقام خطيبًا فقال: إلاّ أن الإبل قد غلت. قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا؛ وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، قال وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية».
قال الشيخ: قوله: «كانت قيمة الدية» يريد قيمة الإبل التي هي الأصل في الدية وإنما قومها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل القرى لعزة الإبل عندهم فبلغت القيمة في زمانه من الذهب ثمانمائة دينار ومن الورق ثمانية آلاف درهم فجرى الأمر بذلك إلى أن كان عمر رضي الله عنه وعزت الإبل في زمانه فبلغ بقيمتها من الذهب ألف دينار ومن الورق اثني عشر ألفًا.
وعلى هذا بنى الشافعي أصل قوله في دية العمد فأوجب فيها الإبل وأن لا يصار إلى النقود إلاّ عند إعواز الإبل فإذا أعوزت كان فيها قيمتها بالغة ما بلغت، ولم يعتبر قيمة عمر رضي الله عنه التي قومها في زمانه لأنها كانت قيمة تعديل في ذلك الوقت والقيم تختلف فتزيد وتنقص باختلاف الأزمنة وهذا على قوله الجديد.
وقال في قوله القديم بقيمة عمر وهي اثنا عشر ألفًا أو ألف دينار.
وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الورق.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا زيد بن الحباب عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه «أن رجلًا من بني عدي قتل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا».
قال الشيخ: وقد اختلف الناس فيما يجب في دية العمد، فقال الشافعي يجب فيها مائة من الإبل، ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها.
وروي ذلك عن زيد بن ثابت، وقال مالك وأحمد بن حنبل تجب الدية أرباعًا؛ خمس وعشرون ابنة مخاض، وخمس وعشرون ابنة لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وهو قول سليمان بن يسار والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه جعل في شبه العمد مائة من الإبل أرباعًا وعدد هذه الأصناف.
قلت: ودية شبه العمد مغلظة كدية العمد، فيشبه أن يكون أحمد إنما ذهب إليه لأنه لم يجد فيها سنة فصار إلى أثر في نظيرها وقاسها عليه.
وعند أبي حنيفة دية العمد من الذهب ألف دينار ومن الدراهم عشرة آلاف ولم يذكر فيها الإبل. وكذلك قال سفيان الثوري، وحكي ذلك عن ابن شبرمة.
وقال مالك وأحمد وإسحاق في الدية إذا كانت نقدًا هي من الذهب ألف دينار ومن الورق اثنا عشر ألفًا، وروي ذلك عن الحسن البصري وعروة بن الزبير. وقال مالك لا أعرف البقر والغنم والحلل.
وقال يعقوب ومحمد على أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الغنم ألفا شاة وعلى أهل الحلل مائتا حلة. وكذلك قال أحمد وإسحاق في البقر والغنم.
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب ومسدد المعنى قالا: حَدَّثنا حماد عن خالد عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثًا وقال إلاّ أن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعي من دم أو مال تحت قدمي إلاّ ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت، ثم قال إلاّ أن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها. وحديث مسدد أتم».
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.
قال الشيخ: المأثرة كل ما يؤثر ويذكر من مكارم أهل الجاهلية ومفاخرهم وقوله تحت قدمي معناه إبطالها وإسقاطها.
وأما سدانة البيت فهي خدمته والقيام بأمره وكانت الحجابة في الجاهلية في بني عبد الدار والسقاية في بني هاشم فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار بنو شيبة يحجبون البيت وبنو العباس يسقون الحجيج.
وفي الحديث من الفقه إثبات قتل شبه العمد، وقد زعم بعض أهل العلم أن ليس القتل إلاّ العمد المحض أو الخطأ المحض.
وفيه بيان أن دية شبه العمد مغلظة على العاقلة.
وقد يستدل بهذا الحديث على جواز السلم في الحيوان إلى مدة معلومة وذلك لأن الإبل على العاقلة مضمونة في ثلاث سنين.
وفيه دلالة على أن الحمل في الحيوان صفة تضبط وتحصر.
وقد اختلف الناس في دية شبه العمد فقال بظاهر الحديث عطاء والشافعي وإليه ذهب محمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه هي أرباع.
وقال أبو ثور دية شبه العمد أخماس.
وقال مالك بن أنس ليس في كتاب الله عز وجل إلاّ الخطأ المحض والعمد فأما شبه العمد فلا نعرفه.
قلت: يشبه أن يكون الشافعي إنما جعل الدية في العمد أثلاثًا بهذا الحديث، وذلك أنه ليس في العمد حديث مفسر، والدية في العمد مغلظة وهي في شبه العمد كذلك فحمل إحداهما على الأخرى.
وهذه الدية تلزم العاقلة عند الشافعي لما فيه من شبه الخطأ كدية الجنين.

.ومن باب الأعضاء:

قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا عبدة، يَعني ابن سليمان حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس، عَن أبي موسى هو الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأصابع سواء عشر عشر من الإبل».
قال: وحدثنا عباس العنبري حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله «الأصابع سواء والأسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء».
قال: وحدثنا زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في الأسنان خمس خمس».
قال الشيخ: سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأصابع في دياتها فجعل في كل إصبع عشرًا من الإبل وسوى بين الأسنان وجعل في كل سن خمسًا من الإبل وهي مختلفة الجمال والمنفعة ولولا أن السنة جاءت بالتسوية لكان القياس أن يفاوت بين دياتها كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يبلغه الحديث فإن سعيد بن المسيب رضي الله عنه روى عنه أنه كان يجعل في الإبهام خمس عشرة، وفي السبابة عشرًا، وفي الوسطى عشرًا، وفي البنصر تسعًا، وفي الخنصر ستًا حتى وجد كتابًا عند أبي عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الأصابع كلها سواء» فأخذ به، وكذلك الأمر في الأسنان كان يجعل فيما أقبل من الأسنان خمسة أبعرة، وفي الأضراس بعيرًا بعيرًا.
قال ابن المسيب: فلما كان معاوية وقعت أضراسه فقال أنا أعلم بالأضراس من عمر فجعلهن سواء، قال ابن المسيب فلو أصيبت الفم كلها في قضاء عمر رضي الله عنه لنقصت الدية ولو أصيبت في قضاء معاوية لزادت الدية، ولو كنت أنا لجعلتها في الأضراس بعيرين بعيرين.
واتفق عامة أهل العلم على ترك التفضيل وإن في كل سن خمسة أبعرة، وفي كل إصبع عشرًا من الإبل خناصرها وأباهمها سواء، وأصابع اليد والرجل في ذلك سواء كما جعل في الجسد دية كاملة؛ الصغير الطفل، والكبير المسن، والقوي العَبَل، والضعيف النضو في ذلك سواء.
ولو أخذ على الناس أن يعتبروها بالجمال والمنفعة لاختلف الأمر في ذلك اختلافًا لا يضبط ولا يحصر فحمل على الأسامي وترك ما وراء ذلك من الزيادة والنقصان في المعاني.
ولا أعلم خلافًا بين الفقهاء أن من قطع يد رجل من الكوع فإن عليه نصف الدية، إلاّ أن أبا عبيد بن حرب زعم أن نصف الدية إنما تستحق في قطعها من المنكب لأن اسم اليد على الشمول والاستيفاء إنما يقع على ما بين المناكب إلى أطراف الأنامل.
قال أبو داود: وجدت في كتابي عن شيبان ولم أسمعه منه فحدثناه أبو بكر صاحب لنا ثقة حدثنا شيبان حدثنا محمد بن راشد حدثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنف إذا جدع الدية كاملة وإن جدعت ثُندوته فنصف العقل خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب والورق أو مائة بقرة أو ألف شاة، وفي اليد إذا قطعت نصف العقل، وفي الرجل إذا قطعت نصف العقل، وفي المأمومة ثلث العقل ثلاث وثلاثون من الإبل أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاة والجائفة مثل ذلك.
وفي الأصابع في كل إصبع عشر من الإبل، وفي الأسنان خمس من الإبل في كل سن وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئًا إلاّ مما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس للقاتل شيء وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه ولا يرث القاتل شيئًا»
.
قال الشيخ لم يختلف العلماء في أن الأنف إذا استوعب جدعًا ففيه الدية كاملة، فأما الثندوة المذكورة في هذا الحديث فإن كان يراد بها روبة الأنف فقد قال أكثر الفقهاء أن فيها ثلث الدية، وروي ذلك عن زيد بن ثابت؛ وكذلك قال مجاهد ومكحول، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال بعضهم في الروبة النصف على ما جاء في الحديث، وحكاه ابن المنذر في الاختلاف ولم يسم قائله، ولم يختلفوا أن في اليدين الدية وإن في كل يد نصف الدية، وفي الرجل الواحدة كذلك.
واختلفوا في اليد الشلاء فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال فيها ثلث ديتها، وكذلك قال مجاهد وهو قول أحمد وإسحاق.
وقال الشافعي فيها حكومة، وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه وأجمعوا أنه إذا ضرب يده الصحيحة فشلت إن فيها دية اليد كاملة ولم يختلفوا في أن في المأمومة ثلث الدية.
والمأمومة ما كان من الجراح في الرأس وهي ما بلغت أم الدماغ.
وكذلك الجائفة فيها ثلث الدية في قول عامة أهل العلم فإن نفذت الجائفة حتى خرجت من الجانب الآخر فإن فيها ثلثي الدية لأنهما حينئذ جائفتان.
وأما قوله: «إن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئًا إلاّ ما فضل عن ورثتها» فإنه يريد العقل الذي يجب بسبب جنايتها على عاقلتها، يقول إن العصبة يتحملون عقلها كما يتحملونه عن الرجل وإنها ليست كالعبد الذي لا تحتمل العاقلة جنايته وإنما هي في رقبته.
وفيه دليل على أن الأب والجد لا يدخلان في العاقلة لأنه قد يسهم لهما السدس وإنما العاقلة للأعمام وأبناء العمومة ومن كان في معناهم من العصبة.
وأما قوله: «فإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه» فإنه يريد أن بعض الورثة إذا قتل الموروث حرم ميراثه وورثه من لم يقتل من سائر الورثة فإن لم يكن له وارث إلاّ القاتل حرم الميراث ويدفع تركته إلى أقرب الناس منه بعد القاتل، وهذا كالرجل يقتله ابنه وليس له وارث غير ابنه القاتل وللقاتل ابن فإن ميراث المقتول يدفع إلى ابن القاتل ويحرمه القاتل.
وقوله: «فإن قتلت فعقلها بين ورثتها» يريد أن الدية موروثة كسائر الأموال التي تملكها أيام حياتها يرثها زوجها، وقد ورث النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أشيم الصنابي من دية زوجها.
قال أبو داود: حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين أن خالد بن الحارث حدثهم، قال: حَدَّثنا حسين، يَعني المعلم عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في المواضح خمس».
قال الشيخ: الموضحة ما كان في الرأس والوجه وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم فيهل خمسًا من الإبل وعلق الحكم بالاسم فإذا شجه موضحة صغرت أم كبرت ففيها خمس من الإبل، فإن شجه موضحتين ففيهما عشر من البل وعلى هذا القياس.
وأنكر مالك موضحة الأنف وأثبتها الشافعي وغيره، فأما الموضحة في غير الوجه والرأس ففيها حكومة.
قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد السُلمي حدثنا مروان، يَعني ابن محمد حدثني الهيثم بن حميد حدثني العلاء بن الحارث حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادَّة لمكانها بثلث الدية».
قال الشيخ: يشبه أن يكون والله أعلم إنما أوجب فيها الثلث على معنى الحكومة كما جعل في اليد الشلاء الحكومة.
وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العين القائمة واليد الشلاء ثلث الدية وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك على معنى الحكومة.
وقد ذهب إسحاق بن راهويه إلى أن فيها ثلث الدية بمعنى العقل.